سادساً : جمال خلقته عليه الصلاة و السلام :
النفوس مجبولة على حب كل جميل و قد كان صلى الله عليه و سلم أجمل الناس خلقاً و لذا فقد أحبه الناس حباً عظيماً فقد جمع بين جمال الخلقة و الخلق عليه أفضل الصلاة و السلام
فتأمل أخي المبارك في وصف أصحابه له عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ إذا مشى تكفأ ولا مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رواه مسلم و معنى ( أزهر اللون ) هو الأبيض المستنير وهو أحسن الألوان
عن البراء قال : ما رأيت أحدا أحسن في حلة حمراء من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمته تضرب منكبيه ) رواه النسائي وصححه الألباني
عن كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن تبوك قال فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه ) رواه البخاري
عن أبي جحيفة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ ثم صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه عنزة . وزاد فيه عون عن أبيه عن أبي جحيفة قال كان يمر من ورائها المرأة وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بهما وجوههم قال فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب رائحة من المسك ) رواه البخاري
عن البراء يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا ليس بالطويل البائن ولا بالقصير) رواه البخاري
عن علي قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطويل ولا بالقصير شئن الكفين والقدمين ضخم الرأس ضخم الكراديس طويل المسربة إذا مشى تكفأ تكفؤا كأنما انحط من صبب لم أر قبله ولا بعده مثله ) رواه الترمذي و صححه الألباني
عن ابن عمر : ما رأيت أحدا أنجد ولا أجود ولا أشجع ولا أضوأ وأوضأ من رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه الدارمي بسند صحيح .
فهو الذي تم معناه وصورته *** ثم اصطفاه حبيباً بارئُ النِّسمِ
أكرِم بخلق نبي زانه خلقٌ *** بالحسن مشتمل بالبشر متسم
كالزهر في ترف والبدر في شرف *** والبحر في كرم والدهر في هِمَمِ
إن نبياً بهذه الصفة و هذه المثابة حق له أن يُحب و أن تتعلق به القلوب و تحن إليه الأفئدة و تحلم برؤيته و تجعل هدفها الأعظم الورود على حوضه وعبور الصراط بمعيته ( َيوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )التحريم8
حكم محبة الرسول: محبة النبي صلى الله عليه و سلم واجبة على كل مسلم و مسلمة قال تعالى ( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }التوبة24. وفي حديث البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً: ((فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)). وروى البخاري عن عبد الله بن هشام: كنا مع النبي وهو آخذ بيده عمر فقال عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال: ((لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، قال عمر: فإنه الآن، لأنت أحب إلي من نفسي، فقال: الآن يا عمر)).
مظاهر محبته للرسول صلى الله عليه و سلم :
1- طاعته : قال تعالى (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ) النساء65 . و قال تعالى
َلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النور63. و قال تعالى
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً )الأحزاب36
2- الاقتداء و التأسي به و المتابعة له
قال تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) الأحزاب21
قال الإمام ابن كثير رحمه الله : [هذه الاية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله ]
قال ابن القيم رحمه الله : [ أعلم أن في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة حيا وميتا وفعلا وقولا وجميع أحواله عبرة للناظرين تبصرة للمستبصرين إذ لم يكن أحد أكرم على الله منه إذ كان خليل الله وحبيبه ونجيه وكان صفيه ورسوله ونبيه ] .إعلام الموقعين ج4 ص468
و قال تعالى : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آل عمران31
فجب على المحب الصادق أن يبادر إلى متابعة حبيبه و التأسي بسنته و الشعور بالفخر و العزة و العلو و الرفعة و أنت تتأسى بخير البشر عليه الصلاة و السلام
و مما زادني شرفاً و فخراً *** و كدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي *** و أن سيرت أحمد لي نبياً
إن من أعظم ما تعاني منه أمة الإسلام اليوم تغيب هدي النبي صلى الله عليه و سلم و سيرته و أخلاقه و آدابه عن أجيالها فعاش الجيل بعيداً عن هدي خير المرسلين فتاه في ظلمات الشبهات و الشهوات و غرق في بحارها و هو في أمس الحاجة إلى من يقتبس له جذوة من السراج النبوي تنير له طريق الحق و تبدد ظلمات الباطل فيجد الدواء الناجع لكل ما يعانيه من هموم و غموم و قلق و حيرة و تخبط و انحراف .
فهل نعيد عرض السيرة النبوية العطرة على أجيالنا ؟ و هل نتمثلها واقعاً حياً مشاهداً تراه الأجيال ماثلاً أمامها فتدرك أنه المخرج من شِقوتها