وأما القسم الثاني: فأختار من مواضعه تلك الآيات الأربع من سورة الأنعام من الآية الثانية والأربعين إلى نهاية الآية الخامسة والأربعين في قسم الفرح المقيد بالدنيا قال الله تعالى في هذه القسم المذموم: (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين).
يقول الله تعالى: (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلكم): من الأمم السالفين المتقدمين. فكذبوا رسلنا وجحدوا بآياتنا.
(فأخذناهم بالبأساء والضراء): أي بالفقر والمرض والآفات والمصائب. رحمة منا بهم.
(لعلهم يتضرعون): إلينا ويلجئون عند الشدة إلينا.
(فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم): لم يتضرعوا عند البأس والشدة.
(ولكن قست قلوبهم): أي استحجرت فلن تلين للحق.
(وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون): ظنوا أن ما هم عليه دين الحق فتمتعوا في باطلهم برهة من الزمان ولعب بعقولهم الشيطان.
(فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء): أي من الدنيا ولذاتها وغفلاتها.
(حتى إذا فرحوا بما أوتوا) من الدنيا.
(أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) أي آيسون من كل خير، وهذا أشد ما يكون من العذاب أن يؤخذوا على غرة وغفلة وطمأنينة ليكون أشد لعقوبتهم وأعظم لمصيبتهم.
(فقطع دابر القوم الذين ظلموا): أي اصطدموا بالعذاب وتقطعت بهم الأسباب، فاستأصلت شوكتهم ولم تغن عنهم شيئاً قوتهم.
(والحمد لله رب العالمين) على ما قضاه وقدره من هلاك المفسدين، ولأنه بذلك تتبين آياته وتكريمه لأوليائه، وإهانته لأعدائه، وصدق ما جاءت به المرسلون.