حطِّين
هل نذكرها أم نسينا التَّاريخ؟!!
الكاتب: أ/ أدهم صلاح الدين
هل يذكر أحد هذا التاريخ؟!.. إنه الرابع من يوليو.. كلا ليس ذكرى يوم الاستقلال الأمريكي.. إنه ذكرى يوم مهم جدًّا في تاريخ المسلمين، وذلك عندما كانوا أمة تسود الأمم في هذا العالم، وكانوا ينتصرون بإيمانهم على عدو يفوقهم عددًا وعتادًا.
وللمفارقة؛ فإنَّ هذا العدو الذي هزمه المسلمون في تلك الفترة التاريخية النادرة من حياة الأمة، هو ذاته العدو الذي هو الآن يسومها الخسف، ويعتدي على الأرض والديار، ويهتك الأعراض، ويدمر الشجر والحجر، تارة بحجة حماية حقوق الإنسان، وتارة بحجة نشر الديمقراطية، وتارات أخرى بحجة مكافحة الإرهاب والتطرف، وفي كل الأحوال؛ فإن الهدف هو الإسلام، والضحايا هم مسلمون!!
إنها ذكرى موقعة حطين التي انتصرت فيها جيوش المسلمين بقيادة السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي على جيوش أوروبا بأكملها، والتي غيرت وجه السياسة العالمية وموازين القوى في ذلك الحين، بعد نجاح جيوش المسلمين في تحطيم قواعد الإمبراطورية التي أقامتها الجيوش الصليبية في ساحل بلاد الشام وعلى طول إمارات البحر الأبيض المتوسط، وكانت عاصمتها القدس الشريف.
ومعركة حطين هي معركة فاصلة وقعت بين جيوش الغزو الصليبي وجيوش صلاح الدين التي كان عمادها مقاتلون من مصر وبلاد الشام والعراق، مع مكونات أخرى من سائر شعوب بلاد العرب والمسلمين، وليس كما حاولت دوائر الدعاية القومية في الستينيات تصوير الأمر.
جرت هذه المعركة الفاصلة يوم السبت الخامس والعشرين من ربيع الثاني من العام 583هـ، والذي وافق الرابع من يوليو يوليو عام 1187م، بالقرب من قرية المجاودة، التي تقع بين مدينة الناصرة وبحيرة طبرية شمال شرق فلسطين المحتلة حاليًا، وكان من بين نتائجها تحرير بيت المقدس من أيدي المحتل الصليبي بعد سقوطها في يد الحملة الصليبية الأولى عام 1099م.
قصة هزيمة ونصر
جاءت الحملة الصليبية الأولى كمحاولة لتصدير الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت موجودة في أوروبا في القرن العاشر الميلادي، مع شيوع الثورات الاجتماعية والفقر والمجاعات، وضيق ملوك وأمراء أوروبا بسيطرة الكنيسة الكاثوليكية؛ حيث كان البابا يملك ويحكم كل شيء في ذلك الوقت.
وانتهت هذه الحملة بسيطرة الجيوش الصليبية على ساحل بلاد الشام من فلسطين وصولاً إلى سواحل آسيا الصغرى جنوب هضبة الأناضول أو تركيا حاليًا، وارتكبت خلال مسيرتها جرائم حرب باسم الدين والصليب، شملت حتى المسيحيين المخالفين لمذهب الكنيسة الكاثوليكية من الأرثوذكس الشرقيين.
ومن بين ما غنمته الجيوش الأوروبية التي رفعت الصليب شعارًا لها، لضمان حشد أكبر قدر ممكن من الدعم المالي واللوجستي والبشري لهذه الحملة، كما قدر البابا أوربان الثاني، بيت المقدس، قبلة المسلمين الأولى ومسرى رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وحيث دُفِن عشرات الآلاف من صحابة النبيِّ "عليه الصَّلاة والسَّلام".
ولقد كان السبب الرئيسي الذي أدى إلى سقوط بيت المقدس وسيطرة الجيوش الصليبية على أنحاء واسعة من المشرق العربي الإسلامي، ليس حالة الضعف التي كان عليها المسلمون في ذلك الحين؛ حيث كان للإسلام دولته الشاسعة الواسعة المليئة بالخيرات والموارد البشرية التي تكفي لتمويل وتموين عشرات الجيوش كاملة العتاد، ولكن كان السبب الرئيسي هو الفرقة وحالة التشرذم التي كان عليها المسلمون في ذلك الوقت.
ولقد كان لهذه الحالة من التشرذم مظاهر عدة، من بينها التناحر ما بين أمراء المسلمين، والذي وصل إلى حد أن استعان بعضهم على بعض بأعداء الأمة من الصليبيين، فوقعت خيانات عدة أدت إلى نجاح الحملات الصليبية الأولى في مهمتها الاستعمارية.
كما أن هذه الصراعات السياسية الداخلية شغلت الكثير من الحكام العرب والمسلمين عن الاستعداد لموجات الغزو القادم من وراء البحار، والتي كانت بمثابة طليعة الصدام الحضاري الثاني ما بين الشرق للمسلم والغرب المسيحي، بعد نجاح المسلمين في هزيمة الدولة الرومانية وإسقاطها في بلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا في عهد الخلافة الراشدة والدولة الأموية والعباسيين.
وتتشابه هذه المرحلة بشكلٍ كبيرٍ مع المحنة الحالية التي تمر بها فلسطين؛ حيث إن هناك قوى أجنبية غريبة وفدت إلى فلسطين لتستولي عليها بالقوة العسكرية، وتستبدل سكانها بآخرين غرباء تحت مزاعم وأساطير دينية بالأساس.
والدليل على ذلكم القول بتشابه الحالتين، ما قاله الجنرال إدموند أللنبي قائد جيوش بريطانيا التي غزت فلسطين في الحرب العالمية الأولى عندما دخل القدس، وقال: "اليوم انتهت الحروب الصليبية"، وما قاله الجنرال الفرنسي جورو عندما دخلت جيوشه سوريا خلال الحرب أمام قبر السلطان صلاح الدين الأيوبي: "ها قد عدنا يا صلاح الدين".