"عندما تغرب الشمس"
قصة قصيرة.
بقلم: السيد خضر.
القاهرة في: 23/03/2012م.
خرجنا لذات المكان نأوي إليه كعادتنا، نفضفض عن همومنا تحت أشجار الكافور الباسقات، نرتسم أحلامنا البسيطة ونجملها بالأماني، ومن خلفنا ترقبنا أنظار المارة، أحاديث تدور بيننا كانت تمتد لساعات، وساعات بين الضحك، والبكاء، والحزن عما يحدث في قريتنا، نزيح عن أنفسنا كل ما يعكر صفوها، ويبدد طموحها، هموم متصلدة جاثمة على الصدور تأبى الرحيل أو التزحزح، هكذا يعيش الشباب في قريتي...راح كل منا يبحث عن مستقبله، بعدما أرهقتنا شؤون الحياة بين غثها ونفيسها، مرت السنوات بحلوها ومرها، وعدنا نلتقي، بتوفيقٍ ساقته الصدفة البحتة...
... مازال غائباً ننتظره، يتحرك أحدنا ميمنة، ويتجه الآخر ميسرة، يمرر عينيه بين الأشجار، على الطرقات،... جاء كعادته متأخراً، ولكن بشكلٍ مختلف، لم نكد نعرفه، لقد تركنا يشكو من فقره المدقع، يلوم حظه العاثر، يلوح تجاهنا بإيماءات يصعب على العقل ترجمة طلاسمها، يندب عيشة أبويه، يقلل من شأنهما، ينكر صنيعهما، يلعن ضنك حالهما... كنا نعنفه بقوةٍ، ننهره بشدةٍ، نعيد إلى عقله رشده، وإلى ذاته المنفعلة المتشاكسة الهدوء والسكينة، ونطرد حالة الهيجان التي انتابته... هجر قريتنا وكلنا يعرفه... وعاد بعد سنوات طوال، ولم يعرفه منا أحد إلاّ من عرف ملامحه قبيل هذا التحول الكبير في جسده، ووضعه الجديد المتمرد على الفقراء...
بقيت أحراش من أشجار الكافور التي شهدت بأسنا وفرحنا تداعبها الهواء، جلسنا نركن إليها ظهورنا برفقٍ، نتذكر ما مضى، ونمني النفس كي تتصابي إلى تلك الأيام، وراح كل منا يعيش ذكرياته... سيارة فارهة تقف أمامنا فجأة، مظلل زجاجها، فتح بابها، وقدم تطأ الأرض تحمل رجلاً غير الذي عهدناه، ذهبنا نفتش ملامحه الأولى وسط ما يكسوه من تجملات جديدة، نظارة سوداء تغطي عينيه، شعراً مرجلاً، بدلة مطرزة يجمع لها موظف راتبه طيلة أشهر، ساعة يحلم بعضنا حملها، حذاء أسود يبدو أنه مرت عليه يد الإسكافي ليكون أشد بريق، تقدم منا قليلاً، ثم استوقف نفسه عند ذات المكان الذي عهدناه يحبه، رفع نظارته عن عينيه الزرقاوين، ابتسامة تعلو محياه، يرقبنا في استغراب، ثم أطلق قهقهات تعبر به لمرحلة الضحك الهستيري، دنونا منه عن كثب، ينظر بعضنا البعض في استغرابٍ يستدعي الفضول، أومأ بيده إلينا، توقفنا، ثم قال: عندما تغرب الشمس...