محمد البسيوني
المدير العام
عدد المساهمات : 1501 تاريخ التسجيل : 18/07/2011
| موضوع: مقدمــة ديــوان ( كرابيج ) الإثنين أكتوبر 22, 2012 10:31 pm | |
|
شعر
كرابيج
محمد البسيونى
. إهــداء
إلى قصائدي التي لم أكتبها ولكن حبانى الله بها أمى التى منحتنى الحياة ... شفاها الله وعافاها وزوجتى شريكة عُمرى .. وملهمتى التى وقفت خلفى تشد أزرى والى أبنائى الأعزاء أملى فى هذه الحياة مصطفى الأميرة مروه هبة مروان لهم جميعا منى الحب
محمدالبسيونى
الشعر لا يموت
د. محمد حلمى حامد
إذا أتيح لك أن ترى شاعرنا فستجده رجلا وسيما قسيما دمث الخلق هادئ النبرات عركته الحياة منذ قدومه إليها فى منتصف الأربعينيات ، فعل ما فعله كثيرون ( أنا واحد منهم ) عندما حبس قصائده فى صدره ، ونازل الحياة فوق فلكه الهادر ، حتى وصل بجل أولاده إلى بر الأمان ، وبقى هو و إلف روحه ، وقد بلغ الستين، يستمر فى عطاء العمل يوميا ، بعدما بيعت الشركة التى أفنى فى مصانعها أيام عمره وتحولت إلى أرض فضاء اشتراها من اشتراها،إلا أن تخفف الهموم اليومية عنه قد أتاح له فسحة من الوقت ليتذكر ما يمور به صدره من قصائد ، فعرف طريقه متأخرا إلى المنتديات الأدبية التى رحبت بمثل موهبته وأفسحت لها مكانا بارزا ، وفى مجموعته الشعرية ( كرابيج ) يعيد (محمد البسيونى) لشعر العامية مذاقه الزجلى الاجتماعى ، فى موسيقية واضحة وأزهار باكره ،وهو يعبر كشاعر شعبى عن هموم المواطن البسيط ويجسد أحلامه وتفاعله مع الأحداث اليومية بخلفياتها السياسية والاجتماعية ، وهو الأمر الذى يضيف مذاقا من العفوية والطلاقة والطزاجة إلى شعره ، تجعل من تلقيه أمرا سهلا وميسورا ، أما من ناحية الشكل فلا يمكن أن ننكر ماتحفل به الأشكال الزجلية من موسيقى ألفتها الأذن المصرية من ابن عروس إلى اليوم،وهى الأشكال الموسيقية التى حفظت لنا هذا الشعر فى الذاكرة الجمعية الشعبية ، ونرى أن تجاهلها يفقد كلا من الزجل وشعر العامية على السواء الكثير من قدرتهما على التواصل مع العامة ، أما من ناحية المضمون الفنى فالصورة الشعرية لديه لها طابعها الدرامى المسرحى الذى يحفل بالسرد القصصى ويميل إلى الحوار الذكى اللماح الصريح والمناقشة الفكرية المنطقية واللعب على المغالطات الحسابية والوجودية :
جاب الولد اللــوحه ف إيــدُه و فــردهــا لأســتــاذ الـرســم راســم لوحــه .. لعـالَم وردى ولا كاتــب عنــوان ولا إســم
ويؤكد هذا أيضا قصيدته خمسه و ستة تساوى اتناشر ، وهو بهذا يلقى بظلال الأفكار على المضامين التى يحملها ، ويهرب من المباشرة من خلال الحكاية التى تحيل االشخصيات العامة إلى رموز وكائنات من لحم ودم فى الحارة المصرية ، بغرض التورية على بعض المواقف والمعانى الظاهرة التى تضعه تحت طائلة التقرير والرصد والتلبس ، وبغرض إضفاء جو فنى على عمله :
حابس ديك عشماوى فى بيتك و تهلل علشــــــــان كتاكيتك!؟
وإذا هاجمه البعض بدعوى أن بلاغته وشكله الشعرى قديمان ، فذلك لأنه كان واعياً بدوره ورسالته النقدية والإصلاحية فى المجتمع، وهى الرسالة التى يعينه هذا الشكل الفنى على أدائها ، فقصيدة العامية سريعة الاستجابة لأحداث الحياة اليومية، فضلا عن الجزالة والاستفاضة فى الصور والأخيلة، ويمكن ملاحظة ذلك في حرصه علي البناء التقليدى العمودي وزناً وقافية ، كما يظهر النقد الاجتماعى واضحا فى شعر محمد البسيونى ، متناولا تصرفات المصريين فى حياتهم اليومية بالنقد المباشر الذى يهدف الى تقويمها من خلال العرض الفنى الجمالى الساخر للحالة الانسانية ، يقول فى قصيدته (عمّ صابر) محاربا عدم تنظيم الأسرة للنسل : ست تشوفها تقول دى عجوزه و هىَّ يا حبّة عينى شـــــــــباب كُتر الخِلفــــــــــــــه هدّت حِيلها عايشه حياتـــــــها شقَا وعذاب
ويقول فى قصيدته (فرسان الشَّقا) :
لوموا على الأم اللى شالت ِولْدها .. تِسعه لمَّا تروح شُغلها طـــــــالبه لرزقها الِوسعه وتفوت ضناها لجــــــارتها فاكره.. إنّهـا بتسعَى!
ومرشده فى نقده الاجتماعى هذا لفيف الشعراء والزجالين الذين لا يتحرج فى ذكر أسمائهم وأعمالهم ومعارضته لبعضها ، مثل زينات القليوبى وأمين عثمان وقبلهما الرائد بيرم التونسى،الذى يعارض شاعرنا قصيدته الشهيرة ها تــجــن يا ريــــت يا أخــوانّا ، وان كان هدفه هو نفس هدف بيرم من تقويم السلوكيات المعوجة التى يأتى بها العامة تقليدا أو إهمالا :
هاتــجــن يا ريــت ياخــوانّا ما رحـتش لنـدن ولاَّ باريس كان حلم حياتنا .. وســطّــرُه عمّنا "بيرم" فى الكراريس و اتشقلــب حــــــال الـــــدنيا و حلم حياتنا صبح كوابــيس
والتى يقول فيها أيضا:
و الـــواد بـقى زىّ البـنت و بـــدل التّـــوكه حـــط اتنين معقـــول دا ف يوم يتـــجوّز؟ قصدى ف يوم راح يبقى عريس
فبيرم كان يهدف إلى تقويم سلوك الأفراد بعرض النموذج الأوربى المثالى فى النظافة والنظام والأخلاق العامة ، بينما ينفر شاعرنا من مظاهر معينة جاءت إلينا أيضا من الغرب ،وهو فى هذا يعتمد على بيرم وشهرة قصيدته وبنائها ، فيقطع شوطا طويلا من الألفة والحميمية مع المتلقى يعينه على الولوج إلى موضوعه ، ولا يفوته فى هذا أن يوظف المثل الشعبى ويضفره فى ثنايا قصيدته :
و لا جالنا ف يــــوم م الغرب خــــبر فــــرّحنا وسَر القــلب ونلاحظ فى كتابات شعراء العامية المعاصرين أن همومهم ومشاربهم قد اتحدت وباتت زهراته تغنى اللحن نفسه على نايات الشجن والحنين، فصورة الوطن المحبوبة والمواطن العاشق الذى يتحمل الصعاب من أجلها ، تتكرر فى غالب أجواء شعر هذا الجيل الذى خاض حروبا فى سيناء والسويس وبورسعيد واليمن: مــساء الخـيــر يا ســمرا مســاء نــادى و زى الفل مســــاء الخير .. يا ستّى و ست الناس و ست الكل يا غنــوة حُب فى قــــلبى يا تــاج راسى و نبراسى يا أغـلى عندى من نفسى و من أهلــى و من ناسى
ولم يتح لنا رؤية مثل هذه العلاقة بين الوطن والمواطن فى آداب أخرى بهذا العمق وهذا الامتداد الزمنى ، ويؤكد هـــذا قصيدتاه ( هموم على المصطبة و الفرقلة) :
عاشـــق ومفتــون بيـه لكن .. تعبــــــت بـجـــد شايل همــومه ف قلبى و لا يوم شكيتـــها لحـد تشاركنى كــل الشّرايح فى المجمــتع مش فرد
فبين يديك قصائد جميلة حرص شاعرها على أن يؤلف بينها بخيط واحد ، هو الهم العام والمشاعر الوطنية والإنسانية والاجتماعية ، ليس تقصيرا منه فى التعبير عن عواطفه وأحاسيسه الخاصة ، إنما قد ادخرها كلها ليشكل منها نسيجا واحدا فى مجموعة شعرية أخرى ننتظرها فى القريب.
د. محمد حلمى حامد
| |
|